غزة - علا المدهون
يبدو أن شهر مايو/أيار بات شهر الحزن في حياة فنانة كاريكاتير فلسطينية بعد أن فقدت فيه "زوجين" بفارق 6 سنوات، الأول كان ضحية الرصاص الإسرائيلي بعد أن خاض معركة ضد جنودها، والثاني كان ضحية الحصار فقد قضى بسبب مرض كان يمكن أن يبرأ منه لو عبر معبر رفح الحدودي.
وفقدت فنانة الكاريكاتير أمية جحا زوجها الأول الشاعر رامي سعد في الأول من شهر مايو/أيار 2003، وفقدت زوجها الثاني وائل عقيلان - الناشط في كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، بعد 6 سنوات وذلك مساء الاثنين 3 مايو/أيار 2009،
وذهب عقيلان الذي لم يكن يتجاوز يتجاوز 32 عاماً، ضحية مرض ألمّ به وكان يمكن علاجه لولا الحصار المفروض على غزة ومنعه من السفر للخارج لتلقي العلاج.
وودعت جحا زوجها الأول بلوحة فنية ظهر خلال رامي في حديقة عينها التي تبكي دماً على هيئة دمعة تنزل من العين، وترسم صورة للقلب. بينما ودعت زوجها الثاني بمقالة مؤثرة تحت عنوان: عندما يبكي الرجال.
وأمية جحا فنانة فلسطينية تعمل مع صحيفة فلسطينية ولها زاوية كاريكاتير في الصحيفة، كما أنها تعمل رئيسة مجلس إدارة شركة "جحاتون"، وهي صاحبة فيلم "حكاية مفتاح" الذي يعد أول فيلم كارتوني يتحدث عن نكبة فلسطين، وتدور أحداثه عن قرية المحرقة وهي إحدى القرى الفلسطينية التي هجر منها أهل أمية عام 1948، إذ يجسد مفتاح العودة دور البطولة في الفيلم من خلال عودته بذاكرته لعام 1948 ليروي ما كان عليه شاهد عيان لتفاصيل كيفية بدء النكبة الفلسطينية وانتهاءً بما آل إليه حال الفلسطينيين حتى يومنا هذا.
أمية الأرملة عام 2003
قتل زوج أمية الأول رامي سعد بتاريخ 1-5-2003، وكان يبلغ 27 من العمر في ذلك الوقت في اشتباكات مسلحة وقعت بين نشطاء فلسطينيين، كان هو واحد منهم، وبين جنود الاحتلال الإسرائيلي الذي توغلوا في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وفي حينه أكدت كتائب القسام أن رامي سعد قتل بعد أن خاض معركة مع جنود الاحتلال في حي الشجاعية. وأكدت أن رامي كان في ذلك اليوم يتصدى وزملاؤه لاجتياح إسرائيلي في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وفتح نيران سلاحه الرشاش على الجنود وهم ينزلون من العمارات ومنازل الفلسطينيين هناك.. إلا أن إحدى دبابات الاحتلال ردت بإطلاق رصاص من العيار الثقيل عيار 800 ليصاب برصاصة واحدة في جنبه اخترقت الكبد والبنكرياس واستشهد على الفور.
وقد أنجبت أمية من رامي الطفلة نور التي كانت تبلغ من العمر 9 أشهر عندما سقط والدها عام 2003.
وفور مقتل سعد عجزت الفنانة أمية أن تعبّر عن حزنها على فراق زوجها إلا من خلال ريشتها فأهدته رسماً كاريكاتيرياً قوياً جداً، أظهرها تبكي زوجها دماً بدل الدموع.
وقد رسمت أمية اللوحة في اليوم الثالث لوفاة زوجها، وقد مثل هذا الرسم صورة زوجها رامي في حدقة عينها، التي بكت دماً، جاء على هيئة دمعة تنزل من العين، وترسم صورة للقلب.
أمية الأرملة عام 2009
من رسوم الفنانة امية
للمرة الثانية وفي الشهر نفسه مايو/أيار وبعد مرور 6 أعوام فقدت أمية زوجها الثاني وائل عقيلان، ولكن هذه المرة لم يسقط عقيلان بسبب رصاصة استقرت في أحشائه وإنما بسبب مرض عضال ألمّ به، وبسبب الحصار الإسرائيلي الذي تفرضه إسرائيل على سكان قطاع غزة وإغلاق معبر رفح الحدودي الفاصل بين الأراضي الفلسطينية والمصرية جنوب القطاع الأمر الذي منعه من السفر للخارج لتلقي العلاج.
المصادر الطبية في قطاع غزة قالت إن عقيلان تعرّض قبل نحو شهر لانفجار في معدته، الأمر الذي استدعى نقله إلى المستشفى لإجراء عملية سريعة إلا أن الحصار الإسرائيلي المفروض وعدم توفر الإمكانيات حالا دون إجراء العملية ونقله للعلاج بالخارج.
وتابعت أن عقيلان مُنع من السفر للخارج عبر معبر رفح بسبب الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، وأعلنت عن وفاته الليلة الماضية لينضم إلى قافلة ضحايا الحصار الذين بلغ عددهم بوفاته 330 ضحية.
وقبل أيام قلائل فقط من الإعلان عن وفاة زوج أمية الثاني عقيلان، كتبت أمية مقالاً بعنوان "عندما يبكي الرجال" تحدثت فيه عن آلام زوجها الجريح.
وفي مقالها عن زوجها وائل تصف أمية كيف أمسك زوجها بيدها بقوة وسالت دمعة على خده وهو راقد على سريره في المشفى، مضيفة "كنت طوال عهدي بزوجي الذي قارب 4 سنوات لم أره يذرف دمعة واحدة إلا مرتين: الأولى عندما استشهد أخوه الصغير محمد قبل عام ونصف تقريباً، والثانية عندما أخذ يسرد لي أسماء من سقطوا من رفاقه في العدوان الإسرائيلي الأخير".
وتتحدث أمية في مقالها عن محاولاتها الحثيثة للسماح لزوجها بالسفر لتلقي العلاج بالخارج، موضحة أن الإجراءات من الجانب الفلسطيني تمت "ولم يبق سوى معبر رفح".
وتصف كيف رسمت كثيراً عن معبر رفح, ومعاناة المرضى والمحاصرين والعالقين.. ولم يدر بخلدها يوماً أن ينضم زوجها إلى قافلة المرضى الذين ينتظرون فتح المعبر.