غزة- علا المدهون
"أرخص حشيش، خلي كل الشعب يعيش، يعيش وينسى الآلام".. على وقع موسيقى هذه الأغنية التي يتداولها شباب وفتيات غزة عبر هواتفهم الجوالة، تروج بين الغزاويين "عدوى" عقار مخدر "يفرج الكروب" ويدفع لنسيان أوضاع صعبة ليس أقلها الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ نحو 3 سنوات.
والعقار الرائج مسكن قوي رخيص نسبيا ويستخدم في حالات الألم الشديدة وله تأثير مخدر يعمل على خلايا محددة في الدماغ فيقوم باحباط عملها ما يتسبب بشعور فقدان الألم والراحة الجسدية والنفسية.
ويرى فلسطينيون أن هذا العقار بدأ بالانتشار مع توقف الموظفين في القطاع عن وظائفهم وتراكم مشاكلهم المادية، الأمر الذي دفع الكثيرين لتعاطي الهقار لنسان واقعهم السيء.
وتقول الأغنية التي يتداولها الشباب حول هذا العقار عبر تقنية "البلوتوث" في الهواتف النقالة: "أرخص حشيش، خلي كل الشعب يعيش، أعطوه حتى للأطفال، خلي كل الشعب يعيش وينسى كل الآلام ".
وانتشر تناول ظاهرة هذا الدواء بين طيف واسع من فئات المجتمع الفلسطيني، وتحدث مراقبون رفضوا الكشف عن أسمائهم - للعربية.نت أن "طلاب المدارس الإعدادية والثانوية والجامعات يتناولون العقار"، حتى مسؤولين ومدراء ومثقفين "يتعاطونه".
ويبلغ ثمن الشريط الواحد من الدواء الذي يحتوي على 10 كبسولات، ما يعادل دولار ونصف الدولار ما يجعله في متناول الجميع حتى الفئات الفقيرة في المجتمع الفلسطيني.
سعادة غامرة
وفي اتصال هاتفي مع "العربية.نت" أكد الطبيب النفسي فضل أبو هين أن العقار المنتشر ليس حديثا، بل يستخدم منذ زمن في المستشفيات ويوصف عادة للمرضى الذين يجرون عمليات جراحية كمسكن قوي للآلام.
وأرجع استخدامه من قبل العامة في هذه الفترة بكثرة، إلىة مفعوله الذي يؤدي إلى سعادة غامرة. قائلا إن "الواقع الحالي الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني واقع أليم وتعيس، بدأ فيه الشباب يشعرون بالإحباط وانعدام آفاق المستقبل".
معتبرا أن الانشقاق السياسي أدى إلى انشقاق نفسي وأسرى واجتماعي فأضاف وضاعف الألم النفسي لدى الفلسطينيين.
وأكد على أن تعاطي العقار بين الشباب الفلسطيني جاء كمخرج من حالة الألم الشخصي التي يعيشونها في المجتمع الفلسطيني المغلق، إلى حالة من الراحة والاستقرار واللذة حسب اعتقادهم.
وأوضح أن الموضوع نفسي وأن الدواء ليس إلا مسكنا للآلام، ولكن الارتباط النفسي بتناوله يسبب راحة وسعادة جعل الشباب والشابات ينكبون عليه لدرجة وصلت إلى حد الإدمان. وتابع "من يقبل اليوم بحبة واحدة، سوف لا تستطيع هذه الحبة أن ترضي ذاته بعد ذلك، هذا هو الإدمان بعينه".
حبات الهلوسة
وتحدث د. أبو هين أيضا عن حبات أخرى يتعاطاها الفلسطينيون مثل حبات السعادة أو ما يطلق عليها اسم "حبات الهلوسة"، مشيرا إلى أن تلك الحبة تدخل الإنسان في حالة انفعالية غير طبيعية من الضحك والمزاج والانفعالات السارة.. و"كلها حالات إذا سيطرت على الإنسان أثرت على عقله وعلى قناعاته".
وقال إن الخطر يكمن في أن الإدمان عادة يبدأ بأشياء بسيطة ومن ثم يتطور إلى ما هو أكبر وأخطر، معتقدا أن من يتعاطى حبة واحدة من حبات السعادة باهظة الثمن، سيلجأ فيما بعد لأشد أعمال الإجرام في حياته حتى يحصل على أكثر من حبة "قد يسرق الإنسان أو يقتل من أجل الحصول عليها". يشار إلى أن حبة السعادة الواحدة قد يصل ثمنها إلى 50 شيكل إسرائيلي أي ما يعادل "15 دولار" أمريكي.
من جانبه حذر الصيدلي ذو الفقار السويرجو من أن تعاطي ترمال بشكل مستمر يؤدي إلى إدمان من الصعب التخلص منه، ويسبب تهتك في جزء من خلايا الدماغ، وخلل في وظائف الكبد والكلى وصعوبة في الرؤية وفقدان الشهية، وتصرفات غير محسوبة، قد تتسبب في مشكلات مجتمعية عدة، علاوة على الضعف الجنسي الحاد الذي يصعب علاجه، والخمول وعدم الرغبة في العمل أو الدراسة، وحال من الاكتئاب الشديد.
وقال أن تدني سعر العقار المصنع في الهند وباكستان وماليزيا والصين يرجع إلى أنه يتم تهريبه عبر الأنفاق الى القطاع، الأمر الذي مكن عدد كبير من الشبان والمراهقين وحتى الأطفال دون سن الخامسة عشر من شرائه بسهولة.
وحول استجابة الصيدليات لتوجيهات وزارة الصحة بعدم بيعه إلا من خلال وصفة طبية، أكد سويرجو أن هناك تجاوب كبير من قبل الصيادلة في القطاع، إلا أن بعضهم لا يزال يتعامل مع المهنة بشكل تجاري بحت، ويصر على صرف هذه الأدوية بهدف الربح.
وقال إن السوق السوداء، وتجار الشنطة، وطلبة المدارس والجامعات، والمراهقين هم أهم بائعي العقار وليس الصيدليات فقط، لافتاً إلى وجوب خلق حال من الوعي في الشارع الفلسطيني حول أضرار هذا الدواء عند استعماله خارج إطار الوصفات الطبية.
مراقبة الصيدليات
من جانبه قال إسلام شهوان الناطق باسم الشرطة المقالة في غزة لــ"العربية.نت" أن الشرطة كشفت شبكات لبيع العقار في مدارس المرحلة الثانوية في محافظتي غزة وخان يونس كما ضبطت كميات ضخمة من الحبوب المهربة في علب بسكويت وشوكولاته عن طريق الأنفاق، كانت في طريقها للبيع لطلبة المدارس.
وأكد على أن الشرطة ستلاحق الصيدليات للتأكد من مدى التزامها بقرار وزارة الصحة منع بيعها إلا بموجب وصفة طبية، لافتا إلى أنهم شرعوا في تنظيم حملات توعية في المدارس للتحذير من تعاطيه.
وقال "أوقفنا خمسة صيادلة لمدة 24 ساعة بقرار من النيابة العامة بعد ضبطهم يبيعون هذا العقار"، مشيرا إلى أن الغرامة المالية أو التعهد ليسا كافيين لردعهم،"لذا نتداول حالياً مع النيابة العامة في إمكانية إغلاق الصيدليات التي يثبت انتهاكها قرار وزارة الصحة بالشمع الأحمر لمدة 24 ساعة، الأمر الذي سيسيء لسمعة هؤلاء الصيادلة، ويشكل رادعاً لهم ولغيرهم".