معزوفة المساء.
وللمطرِ أيضاً قصيدة بحضرةِ المساء ..
فيصبح الشتاء هو الأغنية وهو الحبيب والأنيس في ذاك المساء لتكون معشوقة الشتاء والمطر ..
حينَ زارني خريفٌ منذُ عقود
تساقطت أمنياتٌ على أرصفةِ الجنون
اصفَرّ النرجس وذَبُلَ الحنون
استفاقَ اليأسَ على أضرحةِ الزيتون
كانَ ربيع ..
وكان قصر الشتاءِ الملكيِّ يرنو
وعلى جبينِ العمرِ أزهرت قنبلة
أضاء قنديل
من مخبأ الأسرارِ برزت أحجية
وذكرى تكمُنُ بين ثنايا منديل
ورسائلُ عشقٍ ملَّتْ صناديقها
معبّقةٌ كانت بالفلِّ والياسمين
الآنَ تحملُ بداخلها حروفها
وغبارها
قد مضى عليها سنين
وسفنٌ مشرّعةٌ تاهتْ في مجاهيل الأرقْ
واصطفّت إلى جانبِ النحيب
ترثي المياهُ للغرق
ربما ضاعت مفاتيحُ اللقاءِ بين السكونِ والورقْ
من هجير الصمتِ سَئِمَتْ أشرعةُ الصراخ
اكتفَتْ ببعضٍ من تجاعيدِ الذكريات
باتَ الكونُ عتيقاً يعلو سماءه التراب
لم يسكنْ أحدٌ أحداقَ الكواكبِ منذُ زمن
باتت حماماتُ الغارِ في الكهفِ
ولم تنم
خيلاءُ الطواويسِ سافرت وألوانها
أضحتْ عدم
كل التفاصيلِ تبحثُ عن مأوى
في عناقيدِ الألم
وترٌ تشبّثَ بِقِطَعِ الهواء .. فارغِ الألحان
حتى البلابلُ والعصافيرُ
ودَّعَ حناجرَها غناءُ الصباح
طيورٌ بات على ريشها التراب
هاجرت مدُنَ السماء
ورجعت تغزل لنفسها حكايةٍ من ورقِ التوت
تغزلُ بيتَ عنكبوتْ
تغزلُ لموتها تابوت
تغزلُ عشباً ..
وناراً ..
وخبزاً..
وعمراً جديداً ..وزهراً جديداً
وقتٌ يفارقُ الساعاتِ ..
تلسَعُه العقارب.. يصارع الحقائق
مداً وجزْراً ..
ويداهُ مجدافانِ ..
وظلُّه قارب ..
خلفَ البحارِ ينتظره
حراسُ الفراغِ العاجزون الساقطون
وأغنيتهم طبولٌ تغني
أنشودةَ حاطب..
يجمَعُ الكلماتِ .. يرتبها ..يربطها
من أعناقها
ويشعلها كالصيفِ ..
كالقمحِ المهددِ بالجفاف
كالبردِ يستجدي بعضاً من رحيقِ الشمس
بارتجاف
كالنهرِ المصونِ المخبأِ وراءَ عباءاتُ النساءِ
يحشُدُ أزهارَ العَفاف
كالموتِ في فوهاتِ البارود يعششُ
كقدرٍ .. يجوبُ أصابِعَ السيّاف
كلماتٍ يلملُمها ثم تضيعُ بعضَ أحرفه
يبحثُ في حقيبته ..كانَ هنا حرفانْ !!
بينَ أنقاضِ التراجمِ راح يفتشُ
ضاع الدليل ..
وكانَ القتيلُ حربانْ
طلّتْ من نافذةِ الغيمِ تزرَعُ سوسنةٍ
عادتْ بلا عينانْ
فلم تحزن !!
ضحكتْ وقالت : بقى لي سودائِها ،
فالزهرُ العجوزِ لها عبقٌ
والغيمةُ البيضاءُ تسري بلا قدمانْ
هنا كانَ عالمها ينتهي ..
هنا كانَ عالمها يبتدي..
وقفتُ ثوانيَ من زنبقٍ وشتاء
ومضيتُ .. مضيتُ
ومشيتُ
وأخذتْ خطايَ تتركُ آثارها
على ضَفّةِ الأحلام
سقطت نظراتي في قاعِ فنجان القهوة
وتساءلتُ :
متى يزهرُ البنفسجِ على أطرافِ أزماني؟!
متى يصيرُ البرتقالُ شمساً ذهبيّة؟
متى سيبيتُ القمرُ على أرصفةِ أحزاني
وكيفَ سأخبِأُ القمرَ في جيوبِ أسراري ؟
إنني أنتظر !
أن تنمو في جسمي سنبلة
وتغني أغاني الشتاء
والتقينا ..
وجمعتُ المطرَ في حقيبتي .. واختفَتْ أغنيتي
أنتَ أيها الشتاء .. الآنَ .. أغنيتي
قد نامَ في قلبي وقال :
أنا منذُ الآنَ غيري
أنا منذُ الآنَ أنتِ
وقلبُكِ بيتي
ولا أرغبُ في العودة
ولا أطلبُ من قلبكِ يا سيدتي
غيرَ الخفقانِ
فاحترقي أكثر .. وأحبيني أكثر
وخلي طريقَ الشوقِ ملتهبِ
فقديماً شردتني نظرتانْ
واليومَ نلتحمُ في هذا المكان
وأصبُّ الأغنية
فتكونينَ السفر
وتكونينَ الهواء
وتكونينَ المطر
وتكونينَ المساء
وتكونينَ كما شاءت لنا الأقدارُ أن نكون
كما نقاطٌ طوليةٌ وعرضيّةٌ
التقت في خارطةِ الأوطان
فضيعي في حنانايَ ولا تُخَلّي سبيلي
فالعيشُ في قلبُكِ يا فاتنتي
عيشانِ
عيشٌ سرمديٌّ يبوحُ بزهرِ الرمانِ
وعيشٌ كامنٌ ..خفيٌّ عن الأحزانِ
اتركيني .. أضيعُ في راحتيكِ
وأسافرُ في بحرِ عينيكِ
وأغرقُ .. بلا سفنٍ
وأفرشُ حصيرَ أحلامي وأنام
و لا توقظيني .. دعيني
دعيني بلا معطفٍ
فقلبُكِ موقدتي
وقلبكِ موطني
وهل يستطيعُ العاشقُ أن يرحلا
وهاتي يداكِ تنامُ في أحضانِ يدي
واسقطي في وحلِ أمطاري
ونامي .. يا صغيرتي
ولا تستيقظي
1/1/2010
الجمعة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]