يوشك عداد انطلاق مباريات المونديال أن يستنفد آخر أيامه، ليعلن بعدها بدء حمى من نوع مختلف قوامها كرة من أعصاب المتابعين، أهديت بطواعية غريبة، لمجموعة من اللاعبين، كي"يلعبوا" بها و"بنا" كيف شاءت أقدامهم، وفي ختامها، سيكون أكثر المشاهدين ربحا، هو أشدهم خسارة لـ"كرة أعصابه".
والحال أن ملامح الشغف في البطولة الكروية الأهم، بدأت بالظهور في عدد من شوارع العاصمة وأحيائها، تجسدها أعلام ترفرف على بعض واجهات المتاجر، وقمصان تحمل أعلام المنتخبات، ومراهنات حول نتائج المباريات.
واللافت أن هذه المظاهر، لم تعد تقتصر على الشبان وحدهم، إذ باتت فئة من الجنس اللطيف تشترك بمظاهر هذا "الهوس" الكروي، الذي يتكرر مرة كل أربعة أعوام، ومن المرجح أن تتفاقم الحمى كلما اقترب موعد المونديال الذي يحل في 11 حزيران (يونيو) ويستمر شهرا كاملا.
والعشريني صهيب، هو أحد المولعين بمباريات كأس العالم، إلى الحد الذي جعله يقرر تأجيل قرارات مصيرية في حياته، إلى ما بعد انتهاء المونديال، حيث يقول " كان من المقرر أن أتقدم بطلب يد الفتاة التي أحبها، غير أن موسم كأس العالم، اضطرني إلى تأجيل ذلك إلى ما بعد انتهاء المونديال".
ويضيف، أن السبب في ذلك يكمن في أمور عدة، فعقد القران يحتاج إلى استعدادات، الأمر الذي "سيلهيه" تماما عن متابعة المباريات التي ينتظرها منذ أربعة أعوام.
وحال صهيب لا يختلف كثيراً عن حال "حلا"، التي تستعد هي الأخرى للمونديال منذ الآن، من خلال اقتنائها هي وصديقاتها مجموعة من قمصان فريق إيطاليا، الذي يشجعنه .
كما أنهن يزاولن طقوسا معينة أيام المباريات، من قبيل ارتياد "الكافيهات"، التي تعرض المباريات، ورسم أعلام الفرق على وجوههن، ومن ثم الخروج بعد انتهاء المباراة، في مواكب تهليل بالفوز.
من جهته، يؤكد مدير المبيعات في أحد محال الرياضة أسامة، أن الأرباح في موسم كأس العالم، تزداد على نحو كبير للغاية، جراء الإقبال الكبير على القمصان التي تحمل أعلام البلاد المشاركة، وخصوصاً أعلام إيطاليا، التي تشجعها الفتيات أكثر من غيرها، وكذلك البرازيل والأرجنتين.
ويضيف أن متاجرهم، باتت تقوم بتصنيع ما هو أكثر من القمصان، على غرار المناشف والميداليات والأعلام والكرات، وغيرها من الأدوات الأخرى.
أما الثلاثينية سعاد، فيلازمها الاستياء في فترة مباريات كأس العالم؛ نظرا لانشغال زوجها بالسهر خارجا مع أصدقائه، ما جعلها تقرر هذا العام، مشاركة زوجها بهذا "الهوس"، مثل الاشتراك بالقنوات التي ستعرض المباريات، ومحاولة متابعة المباريات مع زوجها، حتى يقضي أكبر وقت ممكن في المنزل، معها ومع الأولاد.
يشكل هذا الحدث أيضا، موسما مربحا لأصحاب "الكافيهات"؛ نظرا لما يشهده من إقبال كبير عليها؛ كونها توفر أجواء معينة في موسم مباريات كأس العالم.
وبهذا الصدد يقول تامر، صاحب أحد "الكوفي شوبات" إنهم شرعوا، منذ الآن، بتجهيز "الكافيه" للحدث "البارز"، من خلال "الإكسسوارات" الموزعة في كل الأركان، إضافة إلى نصب شاشات عرض ضخمة في المحل، والاشتراك في سائر القنوات التي تبث المباريات.
ويضيف أن هذه الفترة، تشكل موسما استثنائيا بالنسبة لهم، لافتا إلى أن أكثر الأمور التي يولونها اهتمامهم، التشديد على موضوع الحجز وعدد الأشخاص، ذلك أن كل ركن في المحل يجب استغلاله.
من جانبه، يقول الثلاثيني علاء، إن هناك طقوسا معينة يتبعها في موسم كأس العالم، حيث تحجز له في "الكوفي شوب"، الذي اعتاد حضور المباريات فيه، طاولة محددة، يومياً، باسمه هو وأصدقاؤه، ومن المحال أن يشغلها أحد سواه، إضافة إلى أن أهله في حال أرادوا منه تنفيذ مهام معينة، فإنه يشترط عليهم أن يتم ذلك قبل بدء موسم المباريات؛ نظراً لانشغاله الكبير في تلك الفترة، وعدم قدرته على التركيز على أي أمور أخرى، خارج نطاق المباريات.
ويفسر اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي، بأن الإقبال على متابعة المباريات كان في الماضي، محصورا في فئة الشباب وحدهم، غير أنه غدا الآن شاملا لمعظم فئات المجتمع؛ نظرا لأن كل القنوات الرياضية باتت تتنافس على البث، لافتا أن الفتيات أصبحن يهتممن بالمونديال، بسبب وسائل الإعلام من جهة، ولاختلاطهن بالشبان، حيث صرن أكثر اطلاعا على اهتمامات الذكور.
كما يرى أن الظاهرة أخذت أبعادا أخرى، أكثر مما كانت عليه سابقا، فقد أصبحت تختلط بالسياسة، كون الرياضة جزءا من حياة الشعوب، ومن صميم الشباب وفكرهم، خصوصا ما يتم من طقوس خلال فترات المباريات، على غرار تبادل الزيارات، والحضور الجماعي، ومناقشة الأحداث، في اليوم التالي، أي أنها غدت منظومة اجتماعية.
كما يعزو الخزاعي سبب الاهتمام الكبير بالمونديال، إلى اللهفة والاشتياق؛ لأنه حدث لا يتكرر إلا مرة واحدة كل أربعة أعوام، إضافة إلى مشاركة بعض الفرق العربية، أحيانا، الأمر الذي يفاقم من حمى المتابعة.