أربعة وسبعون عاما من الكد والبحث الدؤوب لحل ألغاز الكون، خاصة في ما يتعلق بعلم الفلك ودورات الشهور والفصول والسنين، يحملها العالم بالفطرة محمد رزق، ابن قرية «الترامسة» القابعة في أحضان النيل بمحافظة قنا جنوب مصر.
لم يلجأ رزق إلى الكتب والمراجع العلمية والمراصد الفلكية الضخمة، وبطريقة عفوية تعتمد على الفراسة والذكاء الفطري وحسابات البديهة، استطاع أن يخترق أسوار علم الفلك، ويحل اللغز الذي يختلف عليه أكثر من مليار مسلم حول العالم، وهو الاختلاف على بدايات الشهور الهجرية. كان طريقه لدخول هذا الطريق المعقد المليء بالأشواك والصعاب يعتمد على عنصرين رئيسيين يرى أنهما كفيلان بحل هذا الاختلاف. العنصر الأول هو آيات القرآن الكريم التي فيها الكثير لم يتم اكتشافه حتى الآن، ومنها قول الحق تبارك وتعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ » يونس (الآية 5)، «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا» الإسراء (الآية 12) أما العنصر الثاني فهو دورة القمر من خلال تحليل دقيق لها، وتوصل إلى نتيجة مهمة، وهى أن الدور التام لدورة القمر حول الشمس 8 سنوات قمرية، ومن خلال هذه النتيجة يقوم بعمل حساباته التي يستخلص منها في النهاية غرة أي شهر قمري مطلوب منه.
يقول محمد رزق لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كان الدافع الرئيسي وراء إعداد بحثي هو تصحيح الأخطاء المتعمدة التي وضعتنا فيها المراصد الفلكية، وجعلتنا نسير عليها دون أن نراجعها، واكتشفت أن السبب في تلك الأخطاء هو عدم الاستعانة بعلم الرياضة الفلكي، ودورات الشمس والقمر، وأنا أرى أن عدم توظيف الرياضيات بشكل جيد في علم الفلك كان له ضرر كبير على حساباتنا الفلكية، فقد خرجت لنا حسابات مشوهة لا تتفق مع الواقع الفعلي والحقيقي، ويتضح ذلك جيدا من خلال الاختلاف الذي يحدث كل عام بين الدول العربية، فكل دولة أو مجموعة دول تبدأ شهرها القمري بيوم يختلف عن باقي الدول.. فالرياضيات هي رمز الانضباط والدقة».
وعن كيفية تحديده لبداية الشهر الهجري (القمري) يقول: «أنا أعتمد على جدول كل يوم من أيام الأسبوع يقابله رقم لا يتغير، فمثلا لو أردنا معرفة غرة (بداية) أي سنة قمرية نقوم بقسمة السنة الهجرية 1431 على 8 (الدور القمري)، وبقسمة مطولة سوف يكون الناتج 7، وعند الرجوع للجدول نبحث عن رقم 7 يقابل أي يوم من الأيام، فالجدول فيه الرقم 1 يقابل يوم الأحد، أما الرقم 2 فهو يقابل يوم الخميس، والرقم 3 يقابل يوم الاثنين، والرقم 4 يقابل يوم السبت، والرقم 5 يقابل يوم الأربعاء، والرقم 6 يقابل يوم الأحد أيضا، والرقم 7 يقابل يوم الجمعة، والرقم 8 يقابل يوم الثلاثاء، وبذلك نستنتج أن الرقم 7 يقابل يوم الجمعة، أما معرفة غرة رمضان فتتم من خلال الجداول التي صممتها، ورمضان هذا العام سوف يأتي يوم 11 أغسطس (آب) 2010».
ويضيف قائلا: «كما قمت بعمل جدول حسابي دقيق للسنين يتيح لمن يتقنه معرفة أي تاريخ في أي سنة سواء ميلادية أو هجرية، فمثلا عام 2010 بدأ بيوم الجمعة وينتهي الجمعة، أما عام 2011 فيبدأ السبت وينتهي أيضا السبت، أما عام 2012 فسيبدأ الأحد وينتهي الاثنين، وذلك من خلال أكثر من 150 جدولا حسابيا وفلكيا تحتوي على أسرار هذا البحث، وجهد أكثر من 15 عاما قضيتها وأنا أقرأ وأتفحص وأرسم الجداول بيدي، وأحسب بعقلي من دون استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة لكي أصل إلى نتائج يطمئن إليها عقلي وقلبي، وليس من اليسير لأي شخص التعرف بسهولة على طريقة تحديدي لأوائل الشهور، فأنا تعبت على مدى سنين وواصلت سهر الليل مع النهار لكي أخرج بنتيجة حقيقية من البحث يستفيد منها الناس، فمجرد ساعة أو ساعتين لن تكفي للتعرف على أسرار هذا البحث الذي يحتوى على أكثر من 150 جدولا حسابيا دقيقا».
ولم يسلم محمد رزق من أمراض العصر التي أصابت أقرانه من الشيوخ، فهو يعانى من عدد من الأمراض، على رأسها السكر وضغط الدم واضطرابات في الدورة الدموية ورعشة في الأنامل، إلا أنه لا يعبأ كثيرا بها، ويصر على أن يستكمل مشوار البحث الذي بدأه على كبر، كما أن الأدوية التي يتناولها لم تسلم من تحليله الدقيق وتفسيره العميق لها، فهو يحاول دائما اكتشاف ما بها من فوائد وسلبيات فعلية بعيدا عن النشرة الداخلية للدواء.
وقد اختار محمد رزق اسم «الكنز المفقود في رحلة الشمس والقمر» لكي يكون عنوانا لبحثه الفريد في علم الفلك، ووضع عنوانا فرعيا له هو «بحث لتثبيت أوائل الشهور الهجرية للعالم الإسلامي».. ورغم مرضه، فإنه لا يكل من البحث وإعادة المراجعة والقراءة يوميا، لما يتوصل إليه من نتائج وشواهد، يرى أن من شأنها أن تغير كثيرا من الحسابات الفلكية لأوائل الشهور.