هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_widget/twitter_widget" title="web widget">Twitter Widget</a></div>

4 مشترك

    من الحرس القديم

    اسامة جمال الدحدوح
    اسامة جمال الدحدوح
    جامعي جديد
    جامعي جديد


    تاريــــخ الإنتســاب : 19/08/2010
    المشاركات : 9
    الجنس : ذكر
    العمر : 44
    التخصص : اداب وحضارات
    مزاجك اليوم : Normal

    من الحرس القديم  Empty من الحرس القديم

    مُساهمة من طرف اسامة جمال الدحدوح الإثنين 23 أغسطس - 19:58

    من الحرس القديم .

    للكاتب الفلسطيني
    أسامة جمال الدحدوح




    ودع كأس الوسكي . وانطلق مخموراً يقف على الثَغر . تُسمع من بعيد أصوات المجنزرات ، و آليات العدو تقترب باتجاه المدينة . لا داعي للتحصن وراء الجدر الأسمنتية ، فعليٌّ ، هذا السكير ، لديه من الطاقة الهائلة ، ما لا ينافسه فيها أحد ، وهي طاقة لازمة في حالات القصف العشوائي عندما يشتد الخطر ، و تدنو الدبابات من الموقع . لم يشأ علي الالتحاق بالمعسكر التدريبي إلا في شهر رمضان ، طلباً للبركة ، و رغبة في الانتصار على عصابات الاحتلال ، التي ما فتئت ، تخرج من جحورها كالأفاعي ، كلما وجدت الفرصة سانحة . أُخرج علي ٌمن المدرسة كرهاً ، و كان بانتظاره ، عند أول مفرق ، ملاصق للمدرسة ، سوق الذهب . تفنن في مهنته ، فكان صائغا ًماهرا ً، و وزانا ًدقيقا ً، لا يمر عليه يوم ، دون أن يجلب لرب العمل عشراتٍ من الزبائن الأسخياء عند مخالصة الحساب . أطلقت يدُ الغدر حقدها على رب العمل ، في حادثة اقتحام جبانة لمحل الذهب ليلاً . قُتلَ ربُّ العمل ، ومن يومها أصبح علي متسكعاً في الشوارع . لم يجد مشجعا ًله على استغلال مهنته بعد هذه الحادثة ، فأبوه مات قبلها بشهرين ، أما أمه فقد فارقت الحياة ، بعدما سلمته لأكف الحياة الغليظة . ما أتعس حظك يا علي ، كنت السبب في موت أمك ، كما يرميك بهذه القولة ، بُلَهَاءُ حارتك ، و فقدت والدك قبل أن تعانقه و أنت متزين ببدلة العرس يوم زفافك الذي أقمت مراسمه في خيالك البريء . أما مهنتك التي هي من ذهب ، فلم يعد لها في حياتك لا أثر و لا عين . خَرجت بهجة الدنيا ، بزينتها الزائفة ، و زخرفها الملون من قلب علي . و بدل أن يبحث له عن بديل يملأ عليه فراغ قلبه ، راح المسكين يترع دنان وقته بالملهيات التي تزيده حسرة و ألما ً. أنفق كل ما ادخره من مال اكتسبه من عمله عند المجوهراتي على أصدقائه . أكلوه لحماً و رموه عظماً . كان يخرج معهم أغلب الليالي إلى شاطئ البحر لاصطياد السمك البري الخارج من بحر الآداب العالية إلى شواطئ الجرأة المذمومة . و الآن ، لا يجد أحدا ًبجانبه، و لا أحد يجد فيه ذلك الصديق السخي المضحي بماله دون قيد أو ضابط . خسر المسكين كل شيء ، ماله ، و عمله ، و معارفه ، ومن قبل هؤلاء جميعا ً، فَقد أعز شخصين عليه : أمه وأباه . كان أبوه عقيماً . أنجبه على عطش ، و قد قطعت زوجته بوفاتها حبل النسل منه بعدما ًرفض الزواج من غيرها ، و ظل على تلك الحال حتى وافته المنية . صحيح أن والده ، قد ترك له بيتاً مؤثثاً ، و مالاً وفيرا ً، لكنه لن يستطيع الاستفادة منه ، بسبب الحجر المالي المقدم للمحكمة من عمه ضده . كان عمه رجلاً لعوباً ، وجد في تسكع علي و خروجه من العمل ، و سوء استخدامه لأمواله الخاصة ، فرصة تمناها طويلاً ، وذلك لاستصدار قرار بالحجْر على أمواله . فقد عدته المحكمة بحكم القاصر غير الواعي بأمره ؛ لتصرفاته الهوجاء . ضاقت عليه الأرض المتسعة ، و عدَّ نفسه من التعساء الأشقياء الذين يجدون في الموت راحة من كل هم . غدا رمضان . صعد مؤذن المنبر ، و نادى بأعلى صوته : غداً رمضان . لم أسمع النداء حتى هرعت إلى المسجد ، كنت من أوائل المصلين في هذا الشهر وفق منظومة " النافلة كالفريضة " . تعجب أبو سلطان مؤذن المسجد من سرعة حضوري . فهو الذي قال لي في يوم كان شديد الحرارة " نفسي أشوفك مرة جاي على الصلاة بدري " . عانقني عناقاً أبوياً . شعرت معه بعظمة الإسلام الذي دق أجراس التآخي المحض ، بعدما اعتراها صدأ الدهور المتعاقبة . بدأت كتائب المصلين المستبشرين ببركات هذا الشهر بالتوافد في جماعات منفصلة و متتابعة . كنت مسندا ًظهري على الحائط و وجهي صوب باب المسجد ، كنت أرى كل داخلٍ إليه . و كنت أتفحص قلوب المصلين ، فأجد البِشْر يعلو وجوههم . تبادر إلى ذهني و أنا أشاهد هذه العشرات بل المئات من المصلين سؤال هو :" لم كانوا خارج هذا المحراب قبل رمضان ؟ "و ليس المهم السؤال الأول ، بل السؤال الثاني : "هل سيتركون هذا البيدر الإيماني عندما تغيب شمسك يا رمضان ؟" . لا أدري . حتى نفسي أنا ، لا أدري هل سأستمر في تحصيل الغنائم أم سأنسحب خائباً من البيدر . كنت أتهلل بشْراً حين أجد أن أحدا ًمن الشباب اليافع يدخل إلى المسجد . فهم عدة المستقبل ، وذخيرة الأيام . إن عاشوا بعيداً عن المحراب سلموا الراية دون قتال . و دون قطرة دم واحدة . ها هو عليٌ يدخل المسجد . لم أتمالك نفسي من الفرح . فقد اعتبرت استيقاظه من غفلته إحدى أهم بركات هذا الشهر . إذ ليس من السهل تغيير البوصلة بهذه السرعة . رفعت إليه طرفي كأنني غير متأكد من سحنته . هو عليٌ لا غيره . كان يسحب نفسه كالمستحي . جلس في الصف الأخير ينتظر الإقامة . صليت مع الناس دون خشوع . كان قلبي في وادٍ غير واد الصلاة . شغلني هذا العليُّ ، ومن شدة فرحي بحضوره معنا ، بردت حرارتي الإيمانية التي واكبتني حين حضرت مبكراً للمسجد . أعجب ما في هذا الوجود هو الإنسان . يمسي مؤمناً و يصبح كافراً ، والمرضي من ثبته الله . خرج المصلون إلى فسحة العناق التبادلي . هذا يعانق قرينه ، و ذاك يسلم على صديقه . لكن علياً لا يعرف في المسجد أحدا ً، و الأصح أن أحدا ًلا يقيم معه علاقة . كنت أعرف عليا عن قرب . فقد تزوجت ثلاثة مرات متعاقبة . وفي كل مرة كنت أشتري الذهب من علي . كان طيباً معي . ومتسامحاً إلى أبعد حد . حتى ذوقه في اختيار الذهب كان راقياً . ربما نسيني . أغلب ظني أنه نسيني بالفعل . هم َّبالخروج من المسجد . لحقته على عجل ، و سلمت عليه بحرارةٍ و دار بيننا حديث شجي كاد فيه أن يبكي لولا أنه نَهر دموعه بالتوقف . ودعته و هو يبتسم و اتفقنا على إكمال الحديث في الليلة المقبلة بعد صلاة التراويح . مر اليوم العاشر من رمضان ، و أنا أنتظر عودته دون جدوى . أزعجني غيابه في بداية الأمر . و مع الوقت بدأت سحائب نسيانه تطغى على آفاق وقتي . بالأمس اجتاحت قوات الاحتلال المدينة . و شحذ الرجال سيوفهم ، وصهلت الخيول ، وثار غبار النقع عالياً . سرت في المدينة إشاعة مفادها أن علياً خرج إلى المعركة . قبلها بيومين شاهده صبية الحارة و هو ملثم يتدرب مع فرقة عسكرية . لا أدري كيف عرفوه . ربما من قامته الفارعة . المهم أنهم عرفوه و نشروا الخبر على أوسع نطاق . حمي وطيس المعركة ، و بدأ عداد الشهداء في الدوران . كان الناس في خوف شديد ، سكنت أصواتهم و حركاتهم و قد ظلوا أحياء خوفٍ وترقب مرير . علت مكبرات المساجد بالقرآن . و في الأفق هتافات شبانٍ ينعون الشهداء . كان عليٌّ يسكن غير بعيدٍ عن حينا ، و كنا أحياناً نحبه ، و غالبا ًنشفق عليه . لم أصدق ما أشاعه الناس عنه حتى رددت هتافات الناعي اسمه . كذبَّتُ مسامعي و جبت المنزل أتسمع إلى المنادي من نافذة أخرى ، يَنقل الأثيرُ خلالها صدى الهتاف بشكل أوضح . كان سمعي صادقاً و هواجسي هي الكاذبة . لقد رحل علي . في خيمة العزاء جلس إلي َّصديقه الحميم ، الذي شاركه ملحمة الدفاع عن المدينة . بعد حديث طويل قال لي : " لا تخبر أحداً إلا للضرورة . لقد رحل عليٌ و هو يودع كأس الوسكي . بل لقد ركلها برجله بعنف . فعندما سمع ( حيعلة ) المنادي أراق الوسكي وهشم الكأس ثم شحذ سيفه و قبل أن ينطلق غرق في دموعه وجأر إلى الله بدعوة ما كان أصدقها .. قال قبل أن يمتطي متن الرحيل .. اللهم ارزقني اليوم الشهادة كما رزقتني من قبلها كأس الوسكي. ومات شهيدا ًفي المعركة .
    نور الدين
    نور الدين
    **مـــراقـبــ عـــامـ**
    **مـــراقـبــ عـــامـ**


    تاريــــخ الإنتســاب : 12/05/2007
    المشاركات : 6285
    الجنس : ذكر
    العمر : 37
    التخصص : back 2 me
    مزاجك اليوم : Cool
    الأوسمــــــة : من الحرس القديم  Tamauz10
    خدمة الرسائل :
    من الحرس القديم  461632218
    لا اله الا الله
    محمد رسول الله

    من الحرس القديم  Empty رد: من الحرس القديم

    مُساهمة من طرف نور الدين الأربعاء 25 أغسطس - 15:47

    ممممم
    اسلوب رائع جدا اخي اسامه

    سردا مميزا
    وتعابير فاقت بجاملها قوتها الحقيقيه


    هاد حال شرائح كثيره من شعبنا

    كم انت رائع اجملتها وجسدتها في شخص انسان واحد رغم اختلاف بعض الظروف


    اشكرك مره اخري الي الامام

    نور الدين
    avatar
    ورد البراري
    جامعي مقتـــدر
    جامعي مقتـــدر


    تاريــــخ الإنتســاب : 15/03/2011
    المشاركات : 935
    الجنس : انثى
    العمر : 31
    التخصص : .
    مزاجك اليوم : Normal
    الأوسمــــــة : من الحرس القديم  A310

    من الحرس القديم  Empty رد: من الحرس القديم

    مُساهمة من طرف ورد البراري الجمعة 29 يوليو - 9:01

    انا اقول ما قاله اخي نور الدين
    بالفعل سرد رائع
    بارك الله فيك اخي اسامه
    Dana Yusuf
    Dana Yusuf
    **مـــراقـبــ عـــامـ**
    **مـــراقـبــ عـــامـ**


    تاريــــخ الإنتســاب : 29/10/2007
    المشاركات : 7523
    الجنس : انثى
    العمر : 34
    التخصص : English
    مزاجك اليوم : Be Right Back
    الأوسمــــــة : من الحرس القديم  9d59f110

    من الحرس القديم  Empty رد: من الحرس القديم

    مُساهمة من طرف Dana Yusuf الجمعة 29 يوليو - 16:22

    ماشاء الله اخي اسامة


     


    وصف دقيق وشامل


     


    الى الامام


     


    بالتوفيق


     


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 3 نوفمبر - 5:40