الربا
تعريف الربا لغة : الزيادة مطلقاَََ ، يقال ربا الشيء يربو إذا زاد ، ومنه الحديث : " فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا ما تحتها " يعني الطعام الذي ازداد ببركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام .
ويطلق الربا على الكسب الحرام ، كما قال الله تعالى في اليهود : " وأخذهم الربّا ، وقد نهوا عنه " . سورة النساء 161
ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا ، وإنما أراد المال الحرام كما قال تعالى : " سّماعون للكذب أكّالون للسحت ". سورة المائدة 42 يعني به المال الحرام من الرشاء وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا :"ليس علينا من الأمّيين سبيلٌ" سورة آل عمران 75 . وعلى هذا فيدخلُ النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب . (بابلي -1982)
أو الفضل والزيادة و الدليل قوله تعالى " وما ءاتيتم من رباً ليربو في أموال النّاس فلا يربو عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " الروم -الآية 39 (مقداد-2009)
تعريف الربا شرعاً :
الربا في الشرع هو الزيادة في أشياء مخصوصة.
الربا عند الفقهاء : للربا عند الفقهاء مدلول شرعي خاص على النحو التالي :(فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال ) وزاد بعضهم ( مشروطة في العقد ) أي الزيادة ينبغي أن تكون مشروطة في العقد، أي هو زيادة مشروطة في العقد يبذلها أحد المتعاقدان للآخر بلا مقابل في عقود المعاوضات على الأموال المجانسة التي تقدر بالمعايير الشرعية كالوزن أو الكيل . (مقداد-2009)
أنواع الربا :
1- ربا جلي (النسيئة) :
وهو الذي كانوا يفعلوه في الجاهلية ، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال ، وكلما أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة ، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج . فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ، ويصبر عليه بزيادة يبذلها له ،تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس ، فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده ،فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له . ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، فيأكل مال أخيه بالباطل ، ويحصل أخوه على غاية الضرر، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم . (بابلي -1982)
- ربا النسيئة:وهو بيع لأجل مع الزيادة في العوض المؤجل عند حلول أجله ، وذلك كأن يبيعه رطل قمح إلى شهر مقابل رطل ونصف تُدفع عند حلول الأجل ، أو يقرضه مائة دينار غالى سنة يردها مائة وخمسة عشر عند الحلول . وهذا هو ربا الجاهلية ،وهو أشهر أنواع الربا المنتشر بين الناس اليوم . (مقداد-2009)
2- الربا الخفي ( ربا الفضل ) :
والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي . (بابلي -1982)
ربا الفضل :وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر، كأن يبيعه رطل دقيق من الدرجة الأولى برطلين من الدرجة الثانية ،وهذا لا يكون إلا في بديلين قد اتحدا جنساً. (مقداد-2009)
3- ربا اليد :وهو البيع مع تأخير قبض البديلين أو إحداهما دون ذكر أجل التسليم في العقد ، وذلك كأن يبيع أحدهما الآخر مائة جرام من الذهب بثلاثمائة من الفضة مثلا من غير أن يقبض كل من البائع والمشتري ما اتفقا عليه ، أو يقبض أحدهما ولا يقبض الآخر . (مقداد-2009)
حكم الربا وأدلته:
الربا محرم في الإسلام ،بل هو من أكبر الكبائر، وقد وردت أدلة تحريمه في القرآن والسنة والإجماع :
1- القرآن الكريم: آيات تحريم الربا
- " والذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ،ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، وأحل الله البيع وحرم الربا " البقرة275
- "يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، والله لا يحب كل كفار أثيم " البقرة 276
- " يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ". البقرة 277
- " يا آيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران 130
- "وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله " . سورة الروم 39
2- السنة : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:لعن
في الحديث دعاء على آخذ الربا ومعطيه ،وكذلك عل من يشهد عليه، وكاتبه ،حيث دعا رسول الله عليهم بالطرد من رحمة الله سبحانه وعبّر عن آخذ الربا بالآكل وعن المعطي بالمؤكل ، لأن مآل المال في غالب الأحيان إلى الأكل ، أي يؤول إلى الأكل نهاية ، حتى ولو استعمل بداية للاستثمار وإنشاء المشاريع . (مقداد-2009)
3- الإجماع : وقد أجمع المسلمون على حرمة الربا ، وأنه من الكبائر التي حذر منها الإسلام وأمر باجتنابها . (مقداد-2009)
تحريم ربا النسيبة :
يكره الإسلام الربا كراهية واضحة وينذر المرابين بأشنع مصير "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " ،وقد توعدهم القرآن بحرب من الله ورسوله"يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ،ويبلغ الإسلام في استنكاره للربا إلى حد أن يلعن كل من شارك في صفقة من صفقاته ولو كان كاتباً أو شاهدا. عن جابر رضي الله عنه قال ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا (أي المقرض) ومؤكله (أي المقترض) وكاتبه وشاهده وقال هم سواء))، ويجري الإسلام في تحريمه للربا على مبادئه في المال والأخلاق ومصالح الجماعة، فالمال في نظر الإسلام وديعة في يد صاحبه أودعه الله بين يديه وهو موظف فيه لخير الجماعة، فليس له أن يعكس الأمر إضرارا بالناس وابتزازاً يتحين ساعة احتياجهم ويستغل ضعف موقفهم فيأخذ منهم أكثر مما أعطى كما أن المرابي يمتص دماء الناس وهو جالس ، والإسلام يقدس العمل ولا يستسيغ أن يلد المال مالاً وإنما الجهد هو الذي يلد المال . ومن ناحية الخلق وتماسك المجتمع فالمرابي لا خلق له ، فان من يمنح الناس الدينار ليسترده دينارين هو عدو الناس لا تطيب له نفوسهم ولا يحملون له وداً ، فإذا شاع الربا في الجماعة فقدت المودة والتعاطف والتعاون والتراحم من أصول المجتمع الإسلامي يهدمها الربا ،لذلك كله حرم الإسلام الربا .(علي الرسول-1980)
تحريم ربا الفضل :
ربا الفضل هو كل زيادة خالية عن العوض في مبادلة مال بمال من نفس جنسه .قال رسول الله :"الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربي الآخر والمعطي فيه سواء بسواء يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم ".وطبقاً لهذه القاعدة لا تجوز مبادلة مال بمال من نفس جنسه إلا بنفس المقدار، على أن تكون المبادلة فورية حتى يقطع السبيل عل كل تحايل في تحريم الربا ،فمبادلة سلعة بسلعة من نفس جنسها مع زيادة مقدارها بسبب تأجيل تسليم البديل تؤدي إلى الربا الصريح ،لذلك حرمت السنة هذا النوع من المبادلة . (علي الرسول-1980)
علة تحريم الربا :
التحريم في الإسلام لا يقوم إلا عند تحقيق الضرر وتغلبه على النفع إن وجد والضرر في الربا وارد لأن فيه استغلالاً لحاجة المضطر إلى المال بان يقرضه هذا المال ، ويشترط عليه رده بزيادة لم تأت نتيجة جهد أو بدل خدمة فعلية أو قيمة سلعة .
والإسلام يشترط عندما لا يستطيع المدين سداد الدين الطاهر من الربا في المدة المحددة ، أن ينظره الدائن إلى ميسرة فيما إذا كان عسر المدين حقيقياً , أما الدين الربوي فان النسبة الربوية فيه تتضاعف عند عجز المدين عن وفائه في موعد استحقاقه ، وقد تزداد هذه النسبة فتصل في كثير من الأحيان إلى مقدار الدين الأصلي أو تفوقه بكثير.
وحرص الإسلام على تحريم الربا ، مهما كانت النسبة ضئيلة ، وخاصة في ربا الفضل ، وهو كما ذكره ابن قيم الجوزية: سداً للذريعة ولئلا يكون سبباً للوقوع في الربا المضاعف ، لقوله عليه الصلاة والسلام :"الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخر والمعطي فيه سواء". وهناك أحاديث عديدة تدور حول هذا المعنى يستفاد منها أن حصول الزيادة على أساس المبلغ المستقرض هي من الربا ، مهما كان جنس هذه الزيادة ،إذا كانت قد اشترطت في أثناء العقد ، أو عند تعديله . إما أن يعمد المدين إلى إكرام الدائن دون شرط سابق -بزيادة على أصل مبلغ الدين فهذا لم يحرمه الإسلام بل حبذه ودعا إليه لان فيه تقديراً واعترافاً بالجميل (بابلي -1982) ،وهناك عدة أراء لعلة تحريم الربا نذكر منها:
الرأي الأول : العلة الشرعية من تحريم الربا هي علة تعبدية ، قال تعالى:"ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " ولم يذكر سبحانه علة تحريمه للربا بل أوجب تحريمه عبودية لله بالتحريم كما يستند أنصار هذا الرأي إلى رفض إبليس السجود لآدم باحثاً عن علة موضوعية بأنه تعالى خلقه من طين ، و خلق إبليس من نار لكن الله تعالى جعل عليه اللعنة إلى يوم القيامة لأن السجود علته تعبدية فقط ،فيقيسوا هذا التفسير بذلك .(الفرا-1996)
الرأي الثاني : العلة تعبدية وموضوعية معاً موضوعية لأن آثارها ظاهرة :لأن طبيعة البيع تختلف عن طبيعة الربا ، وطريقة التعامل بالبيع تختلف عن طريقة التعامل بالربا ، وكذلك تختلف في الآثار المترتبة على كل منهما. (الفرا-1996)
الآثار الناتجة عن الربا :
- التباغض بين الناس ، و زوال الثقة المتبادلة في المجتمع .
- فشو روح السخط والتشاؤم ، والشماتة بين المتعاملين في الربا .
- وجود طبقتين متميزتين تمام التميز، وهما طبقة الأثرياء ثراء فاحشاً وطبقة الفقراء فقراً مدقعاً.
- الربا تدفع المرابين إلى ممارسة القمار .
- الربا توجد اضطراباً نفسياً مستمراً بالنسبة لآكل الربا وموكله على السواء.
- الربا آفة اجتماعية تظهر آثارها في الشر الذي يخيم على نفوس المرابين .
- الربا تدمر اقتصاد الدول . (بابلي -1982)
أثر الربا الدولي على مصير الأمة :
المرابون الدوليون أشد ضراوة من المرابين الفرديين لأن محاولة القضاء على فرد أقل تأثيراً في المجتمع من محاولة القضاء على أمة بأسرها ، والاستقراض من دولة أخرى هو في حد ذاته مصيبة لأنه يضع الدولة المستقرضة تحت رحمة الدولة المقرضة ، وكثيراً ما أدى التأخر في سداد القرض بفوائده المتزايدة إلى ارتهان إحدى مصادر دخلها المهمة كالجمارك أو المعادن ، أو الطوابع ، أو التسلط على الدولة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ، فتصبح نتيجة لهذه الديون المتراكمة أسيرة للدولة الدائنة . (بابلي -1982)
الربا في العصر الحاضر :
إن أشهر أنواع الربا اليوم هو ربا النسيئة ، وهو المنتشر بين الناس حالياً ،حيث تطورت صورة هذا الربا على مرّ الزمن بتطور الظروف الاقتصادية ، فقد كان من أشهر صورها قديماً أن يقوم شخص بإقراض ماله إلى أجل لمن يحتاجه، على أن يرد المقترض زيادة على ما اقترض عند حلول الأجل ، تتضاعف هذه الزيادة إذا ما حلّ الأجل ولم يستطع المقترض الوفاء ويطلب الإمهال إلى أجل آخر ،ولكن الشكل الجديد حلّ فيه بدلاً عن الأفراد المقرضين مؤسسات مالية تمارس هذه الوظيفة ، وأصبحت هذه المؤسسات جزءاً من اقتصاد أي جماعة من الجماعات عن طريق الاقراض إلى أجل بما يسمى (الفائدة). (مقداد-2009)
شهادات معاصرة على أضرار الربا:
1- جاء في كتاب الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة ليوسف كمال : "والخبراء يحذرون من الظاهرة الجديدة ،(ظاهرة بطاقات الائتمان) وهي وسيلة للشراء بفائدة ، بقولهم إن المستوى البريطاني بات الآن يطفو على بحر من الائتمان الذي كان سبباً في انتعاش نشاط الشركات المصدرة لبطاقات الائتمان ،على نحو لم يُعرف من قبل ، ولكن ذلك كان أيضاً سببا في جلب البؤس والشقاء لعدد متزايد من الأسر التي أصيبت بهوس الائتمان في الثمانين ،ووقعت فريسة له فأصبحت تعيش بالاقتراض ، لأن بطاقات الائتمان تغري على الشراء. (مقداد-2009)
2- جاء عن الإمام محمد أبي زهرة قوله :"ولقد قرر الاقتصاديون في العصر الحاضر ، أن الفائدة لا تؤدي إلى التوظيف الكامل للأموال ،لأنه سيوجد من يتخذون الفائدة كسباَ لذاتها ، من غير نظر إلى ما يشتمل علية من إنتاج ،ويحسبون أموالهم بهذا الغرض" . (مقداد-2009)
3- أشار غالب الاقتصاديين في الوقت الحاضر أن الربا كان من أهم الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية العالمية ،بحيث أشار بعضهم الى ضرورة العودة الى سعر الفائدة الصفري حتى نتجنب مثل هذه الأزمة العالمية مرة أخرى. (مقداد-2009)
المراجع
• المبادئ الاقتصادية في الإسلام والبناء الاقتصادي للدولة الإسلامية.
المؤلف : د: علي عبد الرسول
الطبعة الثانية 1980م
دار الفكر العربي للنشر والتوزيع
• خطوط عريضة في الاقتصاد الإسلامي
المؤلف : محمد الفرا.
1417ه - 1996م .
جمعية الاقتصاديين الفلسطينيين بقطاع غزة للنشر
والتوزيع.
• مبادئ الاقتصاد الإسلامي والوضعي
المؤلفان :د. محمد مقداد ، د.زياد مقداد .
الطبعة الرابعة2009م
دار المقداد للطباعة- غزة.
• المال في الإسلام .
المؤلف: د. محمود محمد بابلبي .
النسخة الأخيرة1982م .
دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة بيروت – لبنان .
تعريف الربا لغة : الزيادة مطلقاَََ ، يقال ربا الشيء يربو إذا زاد ، ومنه الحديث : " فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا ما تحتها " يعني الطعام الذي ازداد ببركة دعاء النبي عليه الصلاة والسلام .
ويطلق الربا على الكسب الحرام ، كما قال الله تعالى في اليهود : " وأخذهم الربّا ، وقد نهوا عنه " . سورة النساء 161
ولم يرد به الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا ، وإنما أراد المال الحرام كما قال تعالى : " سّماعون للكذب أكّالون للسحت ". سورة المائدة 42 يعني به المال الحرام من الرشاء وما استحلوه من أموال الأميين حيث قالوا :"ليس علينا من الأمّيين سبيلٌ" سورة آل عمران 75 . وعلى هذا فيدخلُ النهي عن كل مال حرام بأي وجه اكتسب . (بابلي -1982)
أو الفضل والزيادة و الدليل قوله تعالى " وما ءاتيتم من رباً ليربو في أموال النّاس فلا يربو عند الله وما ءاتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون " الروم -الآية 39 (مقداد-2009)
تعريف الربا شرعاً :
الربا في الشرع هو الزيادة في أشياء مخصوصة.
الربا عند الفقهاء : للربا عند الفقهاء مدلول شرعي خاص على النحو التالي :(فضل مال بلا عوض في معاوضة مال بمال ) وزاد بعضهم ( مشروطة في العقد ) أي الزيادة ينبغي أن تكون مشروطة في العقد، أي هو زيادة مشروطة في العقد يبذلها أحد المتعاقدان للآخر بلا مقابل في عقود المعاوضات على الأموال المجانسة التي تقدر بالمعايير الشرعية كالوزن أو الكيل . (مقداد-2009)
أنواع الربا :
1- ربا جلي (النسيئة) :
وهو الذي كانوا يفعلوه في الجاهلية ، مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال ، وكلما أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده آلافاً مؤلفة ، وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدم محتاج . فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ، ويصبر عليه بزيادة يبذلها له ،تكلف بذلها ليفتدي من أسر المطالبة والحبس ، فيشتد ضرره وتعظم مصيبته ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده ،فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له . ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه ، فيأكل مال أخيه بالباطل ، ويحصل أخوه على غاية الضرر، ولهذا كان من أكبر الكبائر ، فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم . (بابلي -1982)
- ربا النسيئة:وهو بيع لأجل مع الزيادة في العوض المؤجل عند حلول أجله ، وذلك كأن يبيعه رطل قمح إلى شهر مقابل رطل ونصف تُدفع عند حلول الأجل ، أو يقرضه مائة دينار غالى سنة يردها مائة وخمسة عشر عند الحلول . وهذا هو ربا الجاهلية ،وهو أشهر أنواع الربا المنتشر بين الناس اليوم . (مقداد-2009)
2- الربا الخفي ( ربا الفضل ) :
والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي . (بابلي -1982)
ربا الفضل :وهو البيع مع زيادة أحد العوضين عن الآخر، كأن يبيعه رطل دقيق من الدرجة الأولى برطلين من الدرجة الثانية ،وهذا لا يكون إلا في بديلين قد اتحدا جنساً. (مقداد-2009)
3- ربا اليد :وهو البيع مع تأخير قبض البديلين أو إحداهما دون ذكر أجل التسليم في العقد ، وذلك كأن يبيع أحدهما الآخر مائة جرام من الذهب بثلاثمائة من الفضة مثلا من غير أن يقبض كل من البائع والمشتري ما اتفقا عليه ، أو يقبض أحدهما ولا يقبض الآخر . (مقداد-2009)
حكم الربا وأدلته:
الربا محرم في الإسلام ،بل هو من أكبر الكبائر، وقد وردت أدلة تحريمه في القرآن والسنة والإجماع :
1- القرآن الكريم: آيات تحريم الربا
- " والذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ،ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا ، وأحل الله البيع وحرم الربا " البقرة275
- "يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، والله لا يحب كل كفار أثيم " البقرة 276
- " يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ". البقرة 277
- " يا آيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون " آل عمران 130
- "وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله " . سورة الروم 39
2- السنة : عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:لعن
في الحديث دعاء على آخذ الربا ومعطيه ،وكذلك عل من يشهد عليه، وكاتبه ،حيث دعا رسول الله عليهم بالطرد من رحمة الله سبحانه وعبّر عن آخذ الربا بالآكل وعن المعطي بالمؤكل ، لأن مآل المال في غالب الأحيان إلى الأكل ، أي يؤول إلى الأكل نهاية ، حتى ولو استعمل بداية للاستثمار وإنشاء المشاريع . (مقداد-2009)
3- الإجماع : وقد أجمع المسلمون على حرمة الربا ، وأنه من الكبائر التي حذر منها الإسلام وأمر باجتنابها . (مقداد-2009)
تحريم ربا النسيبة :
يكره الإسلام الربا كراهية واضحة وينذر المرابين بأشنع مصير "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " ،وقد توعدهم القرآن بحرب من الله ورسوله"يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله " ،ويبلغ الإسلام في استنكاره للربا إلى حد أن يلعن كل من شارك في صفقة من صفقاته ولو كان كاتباً أو شاهدا. عن جابر رضي الله عنه قال ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا (أي المقرض) ومؤكله (أي المقترض) وكاتبه وشاهده وقال هم سواء))، ويجري الإسلام في تحريمه للربا على مبادئه في المال والأخلاق ومصالح الجماعة، فالمال في نظر الإسلام وديعة في يد صاحبه أودعه الله بين يديه وهو موظف فيه لخير الجماعة، فليس له أن يعكس الأمر إضرارا بالناس وابتزازاً يتحين ساعة احتياجهم ويستغل ضعف موقفهم فيأخذ منهم أكثر مما أعطى كما أن المرابي يمتص دماء الناس وهو جالس ، والإسلام يقدس العمل ولا يستسيغ أن يلد المال مالاً وإنما الجهد هو الذي يلد المال . ومن ناحية الخلق وتماسك المجتمع فالمرابي لا خلق له ، فان من يمنح الناس الدينار ليسترده دينارين هو عدو الناس لا تطيب له نفوسهم ولا يحملون له وداً ، فإذا شاع الربا في الجماعة فقدت المودة والتعاطف والتعاون والتراحم من أصول المجتمع الإسلامي يهدمها الربا ،لذلك كله حرم الإسلام الربا .(علي الرسول-1980)
تحريم ربا الفضل :
ربا الفضل هو كل زيادة خالية عن العوض في مبادلة مال بمال من نفس جنسه .قال رسول الله :"الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربي الآخر والمعطي فيه سواء بسواء يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، فإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم ".وطبقاً لهذه القاعدة لا تجوز مبادلة مال بمال من نفس جنسه إلا بنفس المقدار، على أن تكون المبادلة فورية حتى يقطع السبيل عل كل تحايل في تحريم الربا ،فمبادلة سلعة بسلعة من نفس جنسها مع زيادة مقدارها بسبب تأجيل تسليم البديل تؤدي إلى الربا الصريح ،لذلك حرمت السنة هذا النوع من المبادلة . (علي الرسول-1980)
علة تحريم الربا :
التحريم في الإسلام لا يقوم إلا عند تحقيق الضرر وتغلبه على النفع إن وجد والضرر في الربا وارد لأن فيه استغلالاً لحاجة المضطر إلى المال بان يقرضه هذا المال ، ويشترط عليه رده بزيادة لم تأت نتيجة جهد أو بدل خدمة فعلية أو قيمة سلعة .
والإسلام يشترط عندما لا يستطيع المدين سداد الدين الطاهر من الربا في المدة المحددة ، أن ينظره الدائن إلى ميسرة فيما إذا كان عسر المدين حقيقياً , أما الدين الربوي فان النسبة الربوية فيه تتضاعف عند عجز المدين عن وفائه في موعد استحقاقه ، وقد تزداد هذه النسبة فتصل في كثير من الأحيان إلى مقدار الدين الأصلي أو تفوقه بكثير.
وحرص الإسلام على تحريم الربا ، مهما كانت النسبة ضئيلة ، وخاصة في ربا الفضل ، وهو كما ذكره ابن قيم الجوزية: سداً للذريعة ولئلا يكون سبباً للوقوع في الربا المضاعف ، لقوله عليه الصلاة والسلام :"الذهب الذهب ، والفضة بالفضة ، والبُرّ بالبُرّ ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلاً بمثل ، يداً بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخر والمعطي فيه سواء". وهناك أحاديث عديدة تدور حول هذا المعنى يستفاد منها أن حصول الزيادة على أساس المبلغ المستقرض هي من الربا ، مهما كان جنس هذه الزيادة ،إذا كانت قد اشترطت في أثناء العقد ، أو عند تعديله . إما أن يعمد المدين إلى إكرام الدائن دون شرط سابق -بزيادة على أصل مبلغ الدين فهذا لم يحرمه الإسلام بل حبذه ودعا إليه لان فيه تقديراً واعترافاً بالجميل (بابلي -1982) ،وهناك عدة أراء لعلة تحريم الربا نذكر منها:
الرأي الأول : العلة الشرعية من تحريم الربا هي علة تعبدية ، قال تعالى:"ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا " ولم يذكر سبحانه علة تحريمه للربا بل أوجب تحريمه عبودية لله بالتحريم كما يستند أنصار هذا الرأي إلى رفض إبليس السجود لآدم باحثاً عن علة موضوعية بأنه تعالى خلقه من طين ، و خلق إبليس من نار لكن الله تعالى جعل عليه اللعنة إلى يوم القيامة لأن السجود علته تعبدية فقط ،فيقيسوا هذا التفسير بذلك .(الفرا-1996)
الرأي الثاني : العلة تعبدية وموضوعية معاً موضوعية لأن آثارها ظاهرة :لأن طبيعة البيع تختلف عن طبيعة الربا ، وطريقة التعامل بالبيع تختلف عن طريقة التعامل بالربا ، وكذلك تختلف في الآثار المترتبة على كل منهما. (الفرا-1996)
الآثار الناتجة عن الربا :
- التباغض بين الناس ، و زوال الثقة المتبادلة في المجتمع .
- فشو روح السخط والتشاؤم ، والشماتة بين المتعاملين في الربا .
- وجود طبقتين متميزتين تمام التميز، وهما طبقة الأثرياء ثراء فاحشاً وطبقة الفقراء فقراً مدقعاً.
- الربا تدفع المرابين إلى ممارسة القمار .
- الربا توجد اضطراباً نفسياً مستمراً بالنسبة لآكل الربا وموكله على السواء.
- الربا آفة اجتماعية تظهر آثارها في الشر الذي يخيم على نفوس المرابين .
- الربا تدمر اقتصاد الدول . (بابلي -1982)
أثر الربا الدولي على مصير الأمة :
المرابون الدوليون أشد ضراوة من المرابين الفرديين لأن محاولة القضاء على فرد أقل تأثيراً في المجتمع من محاولة القضاء على أمة بأسرها ، والاستقراض من دولة أخرى هو في حد ذاته مصيبة لأنه يضع الدولة المستقرضة تحت رحمة الدولة المقرضة ، وكثيراً ما أدى التأخر في سداد القرض بفوائده المتزايدة إلى ارتهان إحدى مصادر دخلها المهمة كالجمارك أو المعادن ، أو الطوابع ، أو التسلط على الدولة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ، فتصبح نتيجة لهذه الديون المتراكمة أسيرة للدولة الدائنة . (بابلي -1982)
الربا في العصر الحاضر :
إن أشهر أنواع الربا اليوم هو ربا النسيئة ، وهو المنتشر بين الناس حالياً ،حيث تطورت صورة هذا الربا على مرّ الزمن بتطور الظروف الاقتصادية ، فقد كان من أشهر صورها قديماً أن يقوم شخص بإقراض ماله إلى أجل لمن يحتاجه، على أن يرد المقترض زيادة على ما اقترض عند حلول الأجل ، تتضاعف هذه الزيادة إذا ما حلّ الأجل ولم يستطع المقترض الوفاء ويطلب الإمهال إلى أجل آخر ،ولكن الشكل الجديد حلّ فيه بدلاً عن الأفراد المقرضين مؤسسات مالية تمارس هذه الوظيفة ، وأصبحت هذه المؤسسات جزءاً من اقتصاد أي جماعة من الجماعات عن طريق الاقراض إلى أجل بما يسمى (الفائدة). (مقداد-2009)
شهادات معاصرة على أضرار الربا:
1- جاء في كتاب الإسلام والمذاهب الاقتصادية المعاصرة ليوسف كمال : "والخبراء يحذرون من الظاهرة الجديدة ،(ظاهرة بطاقات الائتمان) وهي وسيلة للشراء بفائدة ، بقولهم إن المستوى البريطاني بات الآن يطفو على بحر من الائتمان الذي كان سبباً في انتعاش نشاط الشركات المصدرة لبطاقات الائتمان ،على نحو لم يُعرف من قبل ، ولكن ذلك كان أيضاً سببا في جلب البؤس والشقاء لعدد متزايد من الأسر التي أصيبت بهوس الائتمان في الثمانين ،ووقعت فريسة له فأصبحت تعيش بالاقتراض ، لأن بطاقات الائتمان تغري على الشراء. (مقداد-2009)
2- جاء عن الإمام محمد أبي زهرة قوله :"ولقد قرر الاقتصاديون في العصر الحاضر ، أن الفائدة لا تؤدي إلى التوظيف الكامل للأموال ،لأنه سيوجد من يتخذون الفائدة كسباَ لذاتها ، من غير نظر إلى ما يشتمل علية من إنتاج ،ويحسبون أموالهم بهذا الغرض" . (مقداد-2009)
3- أشار غالب الاقتصاديين في الوقت الحاضر أن الربا كان من أهم الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية العالمية ،بحيث أشار بعضهم الى ضرورة العودة الى سعر الفائدة الصفري حتى نتجنب مثل هذه الأزمة العالمية مرة أخرى. (مقداد-2009)
المراجع
• المبادئ الاقتصادية في الإسلام والبناء الاقتصادي للدولة الإسلامية.
المؤلف : د: علي عبد الرسول
الطبعة الثانية 1980م
دار الفكر العربي للنشر والتوزيع
• خطوط عريضة في الاقتصاد الإسلامي
المؤلف : محمد الفرا.
1417ه - 1996م .
جمعية الاقتصاديين الفلسطينيين بقطاع غزة للنشر
والتوزيع.
• مبادئ الاقتصاد الإسلامي والوضعي
المؤلفان :د. محمد مقداد ، د.زياد مقداد .
الطبعة الرابعة2009م
دار المقداد للطباعة- غزة.
• المال في الإسلام .
المؤلف: د. محمود محمد بابلبي .
النسخة الأخيرة1982م .
دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة بيروت – لبنان .