المسجد الأقصى عبر التاريخ
"3"
تحدثنا في الحلقات السابقة عن نشأة المسجد الاقصى بدءاً من زمن سيدنا آدم عليه السلام مرورا بسيدنا محمد خاتم النبيين عليه افضل الصلاة والتسليم وما تبعه من انجازات عمر بن الخطاب ثم معاوية وسلطنا الضوء على انجازات الأمويين ومن تلاهم الى ان وصلنا الى العهد الفاطمي وتوقفنا في حديثنا عند السلطان صلاح الدين الأيوبي محرر القدس من الصليبيين ...
احتل الصليبيون المسجد الأقصى مدة مائة عام وخلال هذه المدة من احتلالهم للمسجد احدثوا فيه دماراً وخراباً حيث حولوا قبة الصخرة الى كنيسة، وحوّلوا المصلى المرواني الى إسطبل، وهدموا الجزء الغربي من البناء الجنوبي، وأحدثوا بعض التغييرات ليتناسب هذا المكان مع أهدافهم وعقيدتهم.
وبتحرير السلطان صلاح الدين الأيوبي للمسجد في 26 رجب 583 ? / 1187 م، نال المسجد حظاً وافراً من الترميم والعمارة حيث أمر بإعادة المسجد الأقصى إلى ما كان عليه في عهد الأمويين، فأزال التماثيل والجدران، وكشف عن المحراب، وجلب منبر السلطان محمود نور الدين زنكي، والذي صُنع بحلب قبل الفتح بحوالي 13 عاماً .
وشهد الأقصى حركة عمرانية رائعة في جميع جوانبه، كما وأُنشئت مبانٍ جديدة، مثل قبة المعراج، والرواق الشمالي من المبنى الجنوبي، والكأس، والقبة النحوية، وقبة موسى وغيرها (سنمر عليها جميعاً في حلقات قادمة ان شاء الله).
واستمرّت عمارة المسجد خلال العهد المملوكي، وتميّزت هذه الفترة بالمدارس التي أُنشئت على أروقة المسجد، والمآذن والسُبل، واشتُهر السلطان بيبرس الذي زار المسجد سنة 661 ? /1262 م بعمارته للمسجد وإعادة كل ما كان قد تهدّم إلى أصله.
وفي العهد العثماني أجريت في المسجد أعمال ترميم كثيرة، كان أهمها كسوة قبة الصخرة بالقيشاني، وإصلاح سقف المبنى الجنوبي من الأقصى، ورفع الأسوار، وفتح الطرق، وبناء الأسبلة، وكل ذلك من تصليحات السلطان سليمان القانوني 1520 _ 1566 م ، وقد قام السلطان محمود الثاني، والسلطان عبد العزيز بعدة اصلاحات وترميمات عامة استمرّت من سنة 1233 ? / 1817 م ولغاية 1256 ? / 1840 م. كما قام السلطان عبد الحميد بفرش المسجد الأقصى بالسجاد الفاخر، وزيادة مصابيح الإضاءة في سنة 1293 ? / 1876 م. وبقي وضع المسجد الأقصى في أواخر الدولة العثمانية بدون اهتمام نتيجة ضعف الدولة وانشغالها بالفتن ودخولها في الحروب التي أدّت الى محاصرتها وانكسارها. وبعد رحيل العثمانيين عن المسجد الأقصى، ودخول القوات البريطانية، لم يعد له من يقوم على رعايته والاهتمام به، وقد لوحظ أنّ حالته تدهورت وظهر فيه خراب في كافة أرجائه، وظل الحال كذلك إلى أن تمّ تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 9 / 1 / 1922 م ، وأخذ على عاتقه القيام بعمارة هذا المسجد، وطُلب من الأستاذ الشهير كمال الدين بك والمختص في الآثار الإسلامية، والمشهود له بالتفوّق أن يحضر ويتولّى عمارة المسجد الأقصى. فلبى الطلب وقَدِمَ من الأستانة ، وألّف برئاسته هيئة فنية من أبرع المهندسين والمعماريين، قوامها المعمار محمد نهاد بك، والمهندس رشدي بك الإمام الحسيني، والمهندس جمال الدين بك، والمعمار حسني بك، وبدأ العمل في تموز سنة 1922 م بوضع التصميمات والرسوم اللازمة.
وبالعودة الى سجلات المجلس الإسلامي لعام 1922 م نجد أنّ هناك تعميرات متفرقة في معظم نواحي المسجد، شملت وضع الخرائط لمنطقة الخلل في مبنى المسجد الأقصى الجنوبي، ورسومات للتيجان والجبص والكتابات، ويتضح ايضاً أنه تمّ ترميم مئذنة باب السكينة(السلسلة) والمئذنة الفخرية، وبعض الآبار، ودُفعت مصاريف للمطبوعات والإعلانات، ورواتب للهيئة الفنية، ومصاريف سفريات للوفود التي سافرت إلى الحجاز ومصر والآستانة، وغيرها من المتفرقات.
كان هذا أبرز ما مرّ به المسجد الأقصى من تغيرات سواء كانت تحديثات ام ترميمات منذ نشأته الى يومنا هذا باستثناء التغيرات التي اجريت عليه بسبب الاحتلال الصهيوني الغاشم .
في حلقاتنا القادمة ان شاء الله سنتحدث سويةً عن أجزاء المسجد الأقصى كلٌّ على حدا، راجين من المولى العلي العظيم أن يوفقنا واياكم لما يحبه ويرضاه ..
لكم منا اسمى امنياتنا بالتوفيق والسداد
على امل اللقاء بكم في حلقات قادمة
نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]