هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
<div style="background-color: none transparent;"><a href="http://www.rsspump.com/?web_widget/rss_widget/twitter_widget" title="web widget">Twitter Widget</a></div>

2 مشترك

    افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح

    اسامة جمال الدحدوح
    اسامة جمال الدحدوح
    جامعي جديد
    جامعي جديد


    تاريــــخ الإنتســاب : 19/08/2010
    المشاركات : 9
    الجنس : ذكر
    العمر : 44
    التخصص : اداب وحضارات
    مزاجك اليوم : Normal

    افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح  Empty افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح

    مُساهمة من طرف اسامة جمال الدحدوح الأربعاء 8 سبتمبر - 14:40


    أسامة جمال الدحدوح
    كاتب من غزة


    ---------------------------

    نفحات رمضانية " 22 "
    إفطار في مكان مرتفع
    طويلاً انتظر موعد الآذان .. استيقظ من النوم ملتهبة أحشائه من الجوع وجلس في الشرفة يستعيض عن تدخين السجائر بالتأفف .. كان هواء زفيره محملاً برغبة في الانتقام من أحد ما .. وربما في ذلك إشارة قاطعة على أن ما يعبث بداخله ليست هي عصافير الجوع وحسب .. وإنما أيد خفية حتى هو لا يعرف لمن تعود .
    مطلوب من زوجته أن تصمت كلما رأت عينيه تطفح بالغضب أو التأمل أو الشرود .. حتى لا تتأذى منه بشيء لا تحُمد عقباه .. يدور في مخيلته شريط الذكريات .. فتنهمر على رأسه سحائب من الأسئلة المحيرة والتي كان لمطرها الهاطل بغزارة وبسرعة جنونية .. ألوان شتى .. منها الأسود الفاحم .. ومنها الأبيض الناصع .. ومنها المحايد المائل إلى الرمادي في أغلب الأحيان .
    لصمته المفتعل تصمت الأشياء من حوله .. وربما هو من أسكتها حتى لا تفسد بضجيجها عليه خلوته .. كل ما حوله أمسى بلا آذان .. تدور ساقية الذكريات على حقول الأيام التي كان حياً فيها فلا يرى غير شبح إنسان تخلى عن طموحاته الأعلى واتجه صوب ما هو عليه الآن .. وما الآن غير ركض دائم بين نقطتين من سراب .. تترقرق عند النقطة الأولى منهما نبعة لحيرة دائمة .. وتتراقص عند النقطة الأخرى نبعة لاختلاف حاد مع رغبات النفس وبلا توقف .
    ما الذي يدفع المرء للانتحار قبل موعد زفافه بطرفة عين ؟ وللانتحار دوافع .. وله أيضاً صفات تتراوح بين السلبية والايجابية .. فمن ينتحر لأجل حياة وردة كادت أن تذبل من شدة العطش .. مانحاً إياها حتى تثبت في مهب رياح الفناء والذبول .. بدل الماء دماً .. منتحر هو .. ولكن لانتحاره معنى نبيل .. وربما لا يسمى في الحقيقة منتحراً بل فدائياً .. وربما سيكون هذا الفداء سبباً في فوزه برضا الرحمن يوم تتقلب القلوب والأبصار .. وان من المنتحرين لشياطين .. يشعلون أجسادهم في كومة تتلظى بالأسى .. كلما يأسوا من إفساد إنسان وفق طريقتهم المألوفة في نشر الغواية والانحراف .
    هل عادت إليه فكرة الانتحار من جديد ؟ كانوا فيما مضى من الزمن .. أيام الانتصارات الإسلامية الرائعة .. يندفعون بصدورهم العارية ليوقفوا زحوف العدوان المتجه صوب نخيلهم وسنابلهم وزيتونهم .. وذلك لإفساده وسلبه ونهبه .. وصوب المآذن الصادحة بكلمة التوحيد .. وذلك لإسكاتها عن إعلان هذه الحقيقة على الملأ وفي الآفاق .. كانوا يصدونه بسيوف صدئة .. وعلى بغال ضعيفة البنية .. لكنهم كانوا أقوياء في الإرادة .. يندفعون في شمم .. لسانهم يردد في شغف بعضاً من آيات القرآن أو أهازيج النصر والثبات .. وقلوبهم ترى ما لا ترون .. وإذا سقطوا في المعركة يصعدون في الأعالي .. ولا أحد يجرأ على تسميتهم بالمنتحرين حتى من المنافقين الجبناء .. أما اليوم فحدث ولا حرج عمن تحصنوا في بيوتهم ثم هم ينعتون الفدائيين بالانتحاريين .
    تختلف أذواق الناس في استقبال الأعياد والاحتفاء بها .. هناك جار لي .. سيقيم عرسه في ثالث يوم من أيام العيد .. وأعرف صديقاً سيقضي أيام عيده كاملة في رحلة سياحية خارج البلاد . ربما في مصر أو المغرب .. أما هو فقد قرر أن يحتفل بهذا العيد احتفالاً مختلفاً كل الاختلاف عن هؤلاء وأولئك .. على حد سواء .
    تندلع الأفكار الجنونية كالشرر المفاجئ .. مرة واحدة .. ثم لا يمكن السيطرة على الحريق بعد ذلك .. لو كان يفكر بجنون منذ زمن بعيد .. لما ظل معذباً طيلة تلك الأعوام التي ما فتئ يفتقد خلالها إلى شعلة من نور أو بصيص من أمل .. حيث هو الآن .. يجد للنور طريقاً إلى دماغه .. يحس به مندساً في خلاياه المخية كلص محترف .. صعد إلى مكان الغنيمة .. لا ليسرقها بل ليعترف لصاحبها أنه كان غائباً عنه .. لسبب لا يعرف مغزاه .. ولما حانت الفرصة امتثل بين يديه طائعاً خاشعاً .. هو ذا النور يتصاعد في خفوت إلى مركز الدماغ وما هي إلا لحظات وتبدأ الإشارات في بث تردداتها عبر موجات خياله الملتحم مع آخر المشاهد عدوانية .. والتي رآها اليوم في مدينة رفح .. ذلك الجندي القاتل الذي يتبختر مع مجموعة من زملائه قريباً من حدودنا .. يستحق الموت العاجل .. وتلك الناقلة المصفحة .. ناقلة الجند .. الذين أخرجوا رؤوسهم لاستلام بعضاً من دقائق الهواء الرطب .. تلك الناقلة التي تغرس في تراب بلادنا .. أينما سارت .. بذور الإرهاب والرعب والأشلاء البشرية المتقطعة بفعل رشاشاتها الثقيلة .. يجب ألا تخف على الأرض بعد اليوم .. ولا أن تتمشى في هواء بلادنا .. ولا تحت سمائها .. أما ذلك البرج المسيج بالأسلاك الحديدية الشائكة .. والمدجج بالآت الرصد والمراقبة .. المضاء حتى قبل حلول الظلام ضيفاً على القائمين سجداً في المحراب .. سيسقط الليلة مع الجنود والناقلة .. كورقة مريضة في مهب رياح الخريف .
    ها هي عقارب الساعة تنحسر تدريجياً عن حلول وقت الإفطار .. وها هو ينحاز من غير نكوص إلى فردوس الفكرة الملتهبة تحت كل خلية عصبية في بدنه .. تلك الفكرة التي كانت تتردد في رأسه منذ أعوام خلت .. انه الآن يتذكر في اقل من الثانية .. كيف كان يجب أن يكون الآن خارج دائرة التفكير .. يقصد شهيداً في معركة الفرقان .. وقبلها .. في معركة أيام الغضب .. ويتذكر الذين سبقوه .. كيف حالهم وما هم فيه من نعيم .. ترى هل قبلوا يد النبي الأعظم محمد عليه السلام ثم شربوا من يده الشريفة شربة الغبطة الأبدية ؟ يرحم الله الذين كانوا السبب وراء تأخري كل هذه المدة .. إذا لفزت بهذا النعيم .. انه يتذكر ما دار بينهما ذات يوم .. وكيف حضه قائد المجموعة على التريث .. لأن الظروف يومها .. كانت تتطلب أن يستريحوا شيئاً قليلاً .
    عديدة هي المرات التي قرر فيها دفع دمه مهراً لحرية الوطن .. وما كان عليه إلا الصبر كلما همسوا في أذنه .. الوقت ليس مناسب .. وهناك من قد سبقك .. هذه المرة لن ينتظر رداً من أحد .. ولا أحد سيدلي له بدلو .. فقد طرقه نور خفي قبل ساعة من الآن .. حضه على اغتنام الفرصة في هذا الشهر الفضيل وفي ليلة القدر على وجه الخصوص .
    شحذ سلاحه المركون وراء سلة الكتب الطويلة القامة في غرفته الخاصة .. نزع من الدُرج الحديدي المقفل بعض القنابل اليدوية .. ووضعها في كيس أسود فضفاض .. ثم خرج به إلى سطح المنزل وركنه في زاوية نائية عن الأنظار وعاد إلى البيت ليقضي مع زوجته وطفليه آخر ساعة على هذا الكوكب .
    كم كانت عارمة فرحة زوجته عندما كسر عن نفسه طوق الشرود والتأمل وعاد إليها بوجه باسم ابتسام ملائكة الرحمة في وجه الصالحين ساعة النزع الأخير .. وجدت في عينيه لغزاً تتطاير منه قطرات دقيقة لا تُرى إلا بإمعان النظر إليها .. كانت قطرات من سرور لا مثيل له .. وما كانت لتألفها قبل هذا اليوم .. ما يعنيها ليست هذا اللغز المحير والمربك من جهة .. والمبهج من جهة أخرى .. إن ما يعنيها هو إطالة النظر إلى وجهه المنبسط الأسارير .. المتهلل .. والمتألق الجبين .. ولذلك تركت الفضول جانباً لتستمتع به وحده دون الغاز أو مربكات .
    مشى الوقت سريعاً .. واقترب قطاره من اللحظة التي يغيب فيها آخر شعاع للشمس وراء تلال الأفق البعيد .. دنا من زوجته فهمس في أذنها بكلام ناعم .. وطاف على طفليه بمداعباته ثم راح يضمهما إلى صدره كما لو كان يتمنى أن يفسح لهما مكاناً دافئاً فيه .. ولكنه الوطن الأغلى .. لأجله تهون النفوس .. وفي سبيله تنحر الرقاب .. ألن تفطر معنا ؟ يأتيه الصوت من مزامير زوجته .. على الباب يقفان معاً .. يستريح في سرير عينيها بضع ثواني .. ثم ينهض متقدماً خطوة خارج الباب .. يعود ليضغط على كفها مودعاً .. يخطو خطوتين للوراء ثم يرجع كأن خلفه نهراً من الدموع يخشى أن يغرق فيه لو تقدم أكثر .. يعود ليوصيها بالأولاد خيراً .. تشعر بحرارة اللغز ينداح لاهباً بين أضلاعها .. تشك فيما وراء وداعه الشفيف هذا .. انه نمط جديد .. وأسلوب مختلف يشي بمفاجآت قادمة .. ربما الأمر خلاف ذلك .. ألقت بالشكوك في زوايا النسيان ثم اغتسلت في بحار عينيه الحلوتين اللامعتين .. وراحت تستخرج منهما كصياد ماهر .. درر الأيام الخوالي .. وتصطاد ما يشبه كنوز الغابرين على مرافئ الخلد .. هل كان يحترق في هذه اللحظات ؟!
    يتراجع عن الباب عدة خطوات .. يأتيه صوت ملائكي ينبعث من أعماق البراءة .. بابا.. خليك افطر معنا ؟! يبكي دون دمع .. يلفظ أنفاسه الأخيرة آلاف المرات لكنه لا يزال حياً يحترق .. هل كان الوطن أغلى من هذه المقامرة ؟ يعتذر لطفله عن الإفطار معه بعد مشهد يهز الوجدان من الأعماق .. يعتذر له كما لو كان سيفطر عند أحد الجيران .. يدنو الوقت من ضفة الرحيل .. يكابر على آلامه .. يعتلي السطح .. ومن هناك .. يحصي المنازل والبيوت .. ويمسح بنظراته الشاعرة .. آفاق المدينة المحاصرة .. يغادر السطح وعلى كتفه البارودة .. وعلى خصره حزام من القنابل .. يتجه خفيفاً صوب الحدود الفاصلة قريباً من مدينة رفح .. يشتبك مع العدو .. يصيب الجندي في مقتل .. ويفجر آلية الجند .. وبعد معركة كانت حامية الوطيس .. قتل فيها عدداً من الجنود يصعد .. انه الآن .. هناك .. في مكان مرتفع .. يفطر .

    بقلم : أسامة جمال الدحدوح
    بياض الثلج
    بياض الثلج
    **مشــــرفـة**
    **مشــــرفـة**


    تاريــــخ الإنتســاب : 27/09/2010
    المشاركات : 2402
    الجنس : انثى
    العمر : 37
    التخصص : الاهتمام بأمور المنتدي
    مزاجك اليوم : Traveling
    الأوسمــــــة : افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح  2ac01010
    خدمة الرسائل :
    افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح  811805961

    كـ بياض الثلج قلبَها ،

    وكـ شُعاع الشمس بسمتها ..

    بها الحياة تكتمل ،

    وبها الفرحُ والأمل

    افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح  Empty رد: افطار في مكان مرتفع .. للكاتب أسامة الدحدوح

    مُساهمة من طرف بياض الثلج الثلاثاء 28 سبتمبر - 5:30



    مشكور أخي أسامة ع الموضوع الرائع

    مزيد من التقدم والازدهار

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 3 نوفمبر - 1:22